د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
هل يعترف النصارى بالإسلام؟ مقال د. راغب السرجاني يتناول مواقف النصارى من الرسول والإسلام مثل موقف هرقل والمقوقس ونصارى نجران
علمنا في مقال سابق –هل يعترف اليهود بالإسلام ؟- أن اليهود عاندوا واستكبروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والآن نتساءل نفس السؤال، ما موقف النصارى من دين الإسلام؟
نقول: لم يكن اعتراف النصارى برسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل كثيرًا من اعتراف اليهود..
نعم، لم تكن مكائد النصارى كمكائد اليهود، ولم يكن غلُّهم وحقدهم وحسدهم كما رأينا من اليهود، لكنهم -في النهاية- لم يعترفوا برسول الله صلى الله عليه وسلم كما اعترف هو بهم.
موقف هرقل من دعوة الإسلام
لقد سأل هرقل زعيم الروم عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستوثق من أمره، وعلم بما لا يدع مجالاً للشك أنه نبيٌّ، بل قال كلمة عجيبة في حقه؛ إذ قال لأبي سفيان رضي الله عنه[1] بعد حوار طويل: «إن كان ما تقول حقًّا فسيملك (يعني رسولَ الله صلى الله عليه وسلم) موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه»[2].
فماذا كان موقف هرقل بعد هذا اليقين الشديد في نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا التوقير العظيم له؟!
لقد قاد الحروب الواحدة تلو الأخرى ضد النبي صلى الله عليه وسلم وضد أتباعه من بعده!! لقد دفع بالجيش الروماني لحرب المسلمين في مؤتة ثم تبوك، وهيَّج القبائل العربية النصرانية في شمال الجزيرة لحرب المسلمين، وقاد الحروب الشاملة ضد المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعدة سنوات متتالية.
موقف المقوقس من الإسلام
ولم يختلف موقف المقوقس زعيم القبط في مصر عن موقف هرقل كثيرًا، فالرجل قال كلمات تدل على تصديقه له، بل أرسل له الهدايا مع حاطب بن أبي بلتعة[3] رضي الله عنه، ومع ذلك عندما دخلت الجيوش الإسلامية أرض مصر وقف معارضًا لها محاربًا إياها، مع أنها خلَّصت مصر من الاحتلال الروماني الذي استمر أكثر من ستمائة سنة متصلة!!
موقف نصارى نجران من الإسلام
وموقف نصارى نجران معروف ومشهور، لكن الشاهد من موقفهم أنهم أدركوا أنه صلى الله عليه وسلم نبي مرسل، ورفضوا أن يلاعنوه كما طلب منهم؛ خوفًا من أن ينزل عليهم غضب الله تعالى[4]، ومع ذلك لم يعترفوا به ولا برسالته ودينه!!
[1] هو أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشي الأموي. أسلم يوم فتح مكة، وشهد حُنينًا، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية. وشهد الطائف ورُمِي بسهم ففُقِئَتْ عينه. وشهد اليرموك، وفُقِئت فيها عينه الأخرى. انظر: ابن عبد البر: الاستيعاب 2/270، وابن الأثير: أسد الغابة 2/407، وابن حجر: الإصابة، الترجمة رقم 4045.
[2] البخاري: كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم 7.
[3] هو حاطب بن أبي بلتعة اللخمي، شهد بدرًا والحديبية، ومات سنة ثلاثين بالمدينة. وقد شهد الله له بالإيمان. انظر: ابن عبد البر: الاستيعاب 1/374، وابن الأثير: أسد الغابة 1/491.
[4] ابن كثير: البداية والنهاية 6/174.
التعليقات
إرسال تعليقك